-->

عندما تقتل الطفولة

عندما تقتل الطفولة



    رأيتها في بيت أحدى صديقاتي ، كانت تجلس في زاوية المجلس"أو الديوان كمان نسميه في اليمن" ، كانت تنظر لي وتبتسم إبتسامة ملائكية خجوله، كل ماعرفته عنها هو أنها إبنة عم صديقتي،فتاه صغيره تبدوا في الإعدادي من عمرها  لم تتفوه بكلمة طوال الجلسه ولم أعرف عنها شيء غير أنها إبنة عم صديقتي.
    مرت أيام وشهور وقالت لي صديقتي بأن إبنة عمها تطلقت ، سألتها عن السبب ..فحكت لي حكاية حورية:
    حورية في الثالثة عشر من العمر  تعيش في منطقة بسيطة يغلب عليها طابع الفقر، لم تكمل حورية تعليمها، فقد منعها أخوها من الذهاب للمدرسة بعد الصف الخامس بحجة أنه ليس هناك من يرافقها للمدرسة، ومع أن لديها رفيقات ولكنه لم يكن يثق بأحد وليس لدية الوقت لكي يرافقها بنفسه، وربما كان هذا عذر لكي يتخلص من موضوع دفع رسوم المدرسة.
     حورية فتاة يتيمة تعيش في بيت أخيها مع أمها الكبيرة في العمر وزوجة أخيها وأولادهم، كانت تقضي طوال النهار في أعمال المنزل التي تكلفها بها زوجة أخيها ، وبينما كانت زوجة أخيها تقضي الصباح في النوم كانت حورية تقضيه في الطبخ والكنس، أما العصر فكانت تجلس أمام التلفاز مع زوجة أخيها والضيوف أو يقوموا بزيارات عائلية، ولكنا كانت تنتظر الليل بفارغ الصبر...
     في الليل تأخذ قصص الأطفال وتبدأ في قرائتها، تستمتع كثيراً وهي تعيش عالم الخيال البريء، كانت حياتها تدور حول مجلة ماجد ورجل المستحيل والمغامرون الخمسة وغيرها من هذه القصص التي تتنوع بين بوليسيه وثقافيه، كان أخيها يجلبها لها من مكتبه تقوم بتسليف القصص القديمة بلا مقابل،  كانت تقرأ كثيراً لعلها تعوض توقفها عن الدراسة  وهكذا قضت حياتها الرتيبه الى أن أتى يوم مختلف.



    دخل أخو حوريه البيت  ويبدوا على وجهة التفكير العميق، وطلب من زوجته أن يتحدث معها في موضوع مهم، تركت الزوجة التلفاز وذهبت للغرفة، كانت حورية تسأل نفسها يا ترى ماهو الموضوع المهم، خرجت زوجة أخيها وهي مبتسمة إبتسامة سعيدة، سألتها حورية بتردد" خير في أخبار ؟" ردت عليها "ستصبحين عروس قريباً وتلبسين الأبيض "..
    فكرت حورية بماذا ترد ولكنها فهمت أن هناك شخص تقدم لخطبتها، بالنسبة لها كان العرس هو فستان أبيض وحذاء ذو كعب عالي وحفل كبير، ثم أولاد، وتصبح حره دون اخيها الذي يتحكم بها ، تستطيع أن تزور صديقاتها وقت ما تشاء وربما تستطيع أن تكمل دراستها، هذا كل مادار في خلدها.
    خرج أخاها وملامح القلق قد زالت عن وجهه.لم يسأل حورية عن رأيها كل ما قاله"إبدأو الإستعداد للعرس".
    ----------------
    أصوات زغاريط وأغاني، حورية تلبس الأبيض، لا تعرف كيف تصف شعورها، فرحه ممزوجه بتوجس، سمعت قليلا أن يوم العرس يكون فيه ألم بسيط وبعضهن يقلن أنه الم شديد، لا تعرف ولا تريد أن تفكر في الموضوع، تشعر بالقلق اذا كانت عذراء أم لا، تتذكر أنها وقعت في يوم من الأيام وخرج منها دم، فكرت في سرها"سترك يا رب".
    أنتهى العرس وحان وقت ذهابها لبيت الزوجية ، لم ترى زوجها من قبل وهذه أول مره ستتعرف عليه، ياترى كيف يبدوا، طويل قصير، رفيع أم ممتلئ، لا تعلم شيئاً، كل ماتعرفه أنه رجل، كم تتمنى أن يكون مثل الأمير الذي في قصة سندريلا فقصتها تشبه سندريلا كثيراً.
    --------------
    الغرفه مليئه بالنساء وهي ترتدي العبايه السوداء وتغطي وجهها بالنقاب، يبدأ الأهالي بالرحيل ليتركوا العرسان ينبسطوا"على حد قولهم"، لازالت غير قادره على رؤية العريس بوضوح بسبب النقاب ولكن يبدوا أنه متوسط الطول، ومن طريقة حديثه يبدوا أنه يحب الفكاهه، شعرت بالسعادة وتمنت أن تتعرف عليه سريعاً، ستحكي له أشياء كثيره، سيضحكوا ويغنوا وريما يرقصوا، متى سيرحل الناس من بيتنا.
    ----
    الغرفه خاليه بعد مانزعت حورية النقاب لا أحد غيرها هي وزوجها، أخيراً تعرفت على ملامحه، يبدوا عادياً لا شيء مميز فيه غير التوتر الزائد  الظاهر على وجهه. فالليله عليه أن يثبت رجولته، أهله وأهل حورية ينتظرون الخبر ينتظرون القماشه الحمراء..
    -------
    دم.... الكثير من الدم..حوريه تشعر بالألم الشديد، تدخل حماتها الجديدة ، لقد دعاها زوجها لكي تساعدها بعد ما شعر بالرعب من منظر الدماء، جاءت الأم فقامت بالضغط على بطنها أكثر ، لا تدري لماذا ولكنها قالت لها أن هذا عرف سائد، تشعر بالتعب والرغبه في التقيؤ..أهذا هو الزواج الذي يتحدثوا عنه؟لا تريده ..تريد أن ترجع لبيتها عند قصصها، تريد أن ترجع لقصة ماجد وبرامج الأطفال في التلفاز ، لا لم تعد تتحمل أكثر.
    ----------------------------
    الدكتورة: هذا أقرب للإغتصاب ماهذا العنف؟
    يتطلع زوج حورية بخجل للدكتورة وهو يشعر بغلطته.
    الدكتورة تكمل: لقد حدث تمزق داخلي عليك أن لا تقترب منها لفتره.
    فرحت حورية عندما سمعت هذا فهي لا تطيقه ولا تطيق حتى الحديث معه، هو لم يكلمها لم يلمس يدها، لم يغني ويرقص معها مثل ماكانت ترى في الأفلم التلفزيونيه....هو مزقها ومزق كل شيء جميل فيها.
    ----------------
    مرت ستة أشهر حورية في المطبخ تعد الإفطار، أنها تخدم غيرها في هذا البيت ايضاً، الفرق أن سيدتها هذه المره هي حماتها بدلا من زوجة أخيها، زوجها يبدوا منزعجاً وكأنه يريد أن يقول شيئا، حماتها تبدوا غاضبه وكأنها لا تطيقها، لا تدري حوريه مافعلت لقد كانت مطيعه طوال الوقت ليس ذنبها أنها لم تعد تطيق معاشرته.لقد مرت ستة أشهر وهي تستفرغ كلما أقترب منها.
    تقول لها حماتها بلهجة جافه: عليكي اليوم الذهاب لبيت أخيكي فهو يريدك في موضوع مهم.
    لم تدري ماهو الموضوع وبيت أخيها لم تزره منذ تزوجت، جائت الأم لزياراها كم مره ولكنها لم تخبرها بمدى تعاستها خوفاً عليها فهي سيدة كبيره عانت الكثير ولن تتحمل أكثر من هذا.
    --------
    وصلت البيت ..أمها متجهمه ..زوجة أخيها غاضبة..أخيها ينظر لها بتقزز..ماذا هناك؟
    قال أخيها بلهجة غليظة: زوجك طلقك، من سيتزوجك الآن؟ستصبحين بايره وعاله علينا!
    تفاجأت حورية وشعرت بالرغبه الشديده بالبكاء خاصة بعد ما سمعت صوت أمها تبكي،
    سألت أخيها لماذا ماذا فعلت؟
    رد:لقد عصيتي زوجك وقال أنك لا تطاقي ، يبدوا أنك لا تنفعي الا في قراءة قصص الأطفال، لم نستطيع تربيتك على تحمل المسؤولية..أنتي..
    لم تستطع حورية أن تسمع أكثر..سكت كل شيء داخلها..ماتت أشياء كثيرة..رجعت لبيتها لكنها لم تعد طفله..أصبحت أمرأة مطلقة في عمر ال 13..طفله على شكل امرأة لم تكمل دراستها وليس لها أي طموحات، أقصى طموحها كان الزواج والأولاد ولكنها الآن تكره كل ماله علاقه بالزواج..لم يعد لديها حتى رغبة في القراءه ولا مشاهدة التلفاز..لا تريد شيء..لا شيء يصبرها غير قرآءة القرآن..هذا ما تفعله كل يوم لعل الله ينصفها..لعل القدر يرجع لها طفولتها التي ضاعت...
    -----
    حورية هي قصة فتيات كثيرات..عانين ربما أكثر منها..ولكنها قصة من الواقع تحدث كل يوم..لعل اليوم يأتي ونشعر يوما ما بالطفولة التي تموت في قلوب بناتنا.
    Dory Aleryani
    @مرسلة بواسطة
    يمنية من بلد الملكة بلقيس و أروى. اؤمن بالمرأة اليمنية و أتمنى ان أرى اليوم الذي تحكم فيه من جديد. لي ارائي الخاصه التي قد لا يتقبلها المجتمع، شغفي بالسياسة بدأ مع الثورات و تبين لي بأن السياسة تجري في دمي بالوراثه. اؤمن بالإنسانيه ولا يفرق معي دينك أو بلدك و اؤمن بحق كل انسان في الحياة و الكرامة. ..أحب الفكاهه و يقول البعض ان "دمي خفيف"..طبعا لو فتحت المجال لأصف نفسي فلن اتوقف..لذلك اكتفي بهذا القدر :)