كنا صغاراً نلعب في حديقة بيت خالتي او كما نسميه في اليمن"الحوش"... بنات وصبيان لا فرق...تربينا مع بعضنا...نتسابق نلعب نضحك...احيانا نتعارك...نشاهد التلفاز...نبكي في آخر حلقة من المسلسل الكارتوني الرائع"أوسكار" حزنا على موت اندريه"اعتقد ان هذا كان اسمه"... نكبر قليلا...نستذكر دروسنا معاً ...عندما نتعارك نهدد بعضنا بأننا سنبلغ المعلمة فنصرخ بفرح"عداقول للأبلة"...ندبر لبعضنا المقالب ...نضحك بملئ قلوبنا...
ومرت الأيام...
انا و إبنة خالتي واقفتان أمام شباك البيت... نتطلع للحديقة التي يلعب فيها أبناء خالتي و أصدقائهم..هذه الحديقة كنا نلعب ونجري فيها...هؤلاء من كانوا اصدقائنا في يوم من الايام..هؤلاء من كنا نلعب معهم..ماذا حدث؟ لماذا نسجن نحن داخل البيوت بينما هم يلعبون الطابه بكل حرية..ماذا فعلنا؟ كبرنا؟ تغيرت اجسادنا؟ اصبحنا "فتنه" يجب ان تغطي ولا يراها احد! اليسوا هؤلاء من يعرفونا منذ الطفولة..ماذا تغير..لماذا أصبحنا غرباء..لماذا أهرب و اختبئ عند سماعي لصوت أحدهم الأجش ..هل لأن صوته تغير لذلك لم يعد صديقي؟ هل يجب علينا أن لا نتحدث مع بعض بنفس الطريقة التي كنا نتحدث بها البارحة...أصبحنا نشعر بالخجل و التوتر لو صادف وجلسنا نتحدث..توقفنا عن اللعب وأصبحت أنا وابنة خالتي نقضي يومنا في مشاهدة المسلسلات المكسيكسيه وكأننا في الخمسينات من عمرنا..
و مرت الأيام
أنا في المدرسة..نتعلم عن ما يجب ان تغطية المرأة..شعرها فتنة..حواجبها فتنة..تذكرت المغني المشهور الذي أحبه..عيونه جميلة ايضا و شعره جميل..لماذا لا يتغطى؟ سألت نفسي هذا السؤال و لم أجد الإجابه ..تذكرت اني حُرمت من اللعب في الحديقه لأني اصبحت بالغه و لم يحرم من متعة اللعب اصدقائي الصبيان...اليسوا بالغين مثلنا؟...لماذا اذاً لا يحبسوا بالبيت؟ أيضا لم أجد إجابه...
و مرت الأيام
أسمعها دائما..المرأة جوهرة يجب ان تغطى..و أحيانا يقال..المرأة مثل الحلوى اذا فتحت يتكاثر عليها الذباب..أفتح التلفاز لأرى ذلك المغني يحرك شعره الناعم ويستعرض جماله ..ذراعه مكشوفة...صدره مكشوف.... هذه الفتنه لماذا لا تغطى ؟ لماذا لا يحبس هذا الرجل بالبيت؟ لماذا يفتن النساء؟ سيرد البعض بأن على المرأة ان تغض بصرها..اليس على الرجل ايضا ان يغض بصره... اليس هذا ما علمونا إياه؟ فلماذا لا اخرج مثلي مثله ويغض هو بصره؟..لم أجد الإجابة...
ومرت الأيام...
ومرت الأيام...
أنا في الجامعة ...أراهم يوزعون كتيبات دينية..عورة المرأة...شعر المرأة... قدم المرأة..عيونها فتنه لذلك عليها ان تغطي عيناُ واحده و تظهر الثانية..العينين معأ فتنة..احلف بالله هذا ما قرأته في الكتيب" الذي كتب عليه انه اصدر في السعودية"..و كأن الحياة لم يعد فيها شيء غير المرأة وعورتها وفتنتها...فقررت أن أراقب نظرات الرجال..أريد أن أعرف من هي التي ستلفت نظره لأعرف من هي الفتنه...تمشي من تلبس عبائه ضيقه فيتطلع..اها!.. وجدتها هذه البنت هي الفتنه...أستمر في المراقبة..تمشي بنت عبائتها واسعه ولكن وجهها مكشوف..أرى الشاب لايزال يتطلع ..اها!... اذا هذه ايضا فتنه ! تمر الثالثة... منقبه و مغطيه من رأسها الى اخمص قدميها...لازال الشاب يتطلع! هه؟!لا أفهم ...مالفتنه في اللباس الأسود؟لا عيون ...لا يد... لا قدم...على ماذا يتطلع هذا الرجل؟!
وقتها تبين لي أن اللبس ليس له علاقة و أن الرجل البصباص"اللي عينيه فارغه كما يقول المصريين" يتطلع بكل الأحوال..و لكنه بأكتافه العريضة و شعره و شفايفه و أنفه لا يعتبر فتنه حتى لو كان ملفت لنظر جميع نساء الارض..هو رجل...ليس من المفترض ان يختبئ في داره..لم يقل له أحد انه جوهره...
وقتها تمنيت لو لم أكن جوهره..تمنيت أن أكون رجلاً حراً ..
ومرت الأيام...
انا في إحدى دول الغرب...تمر من حولي النساء..هذة تلبس البنطال...هذه تلبس تنورة قصيرة..تلك تلبس الشورت...يمشي الرجال بجانب النساء..غريب..لا أحد يتطلع...لماذا لا أرى نظرات الرجال التي كنت أراها في بلادي..تلك النظرات التي تعري المرأة ..تلك النظرات التي أكرهها وأتمنى لو لم أكن في هذه الأرض بسببها...أتمنى لو لم أخلق امرأة...تلك النظرات التي تحرمني من انسانيتي..لماذا لا اراها هنا مع ان كل النساء "متبرجات"؟..لماذا لا أراها..مع ان كل النساء فاتنات...رأيت احداهن تضحك و تركض...تذكرت اني حُرمت من الركض عندما اصبحت في سن البلوغ..تذكرت نافذة بيت خالتي...تذكرت اني فتنه يجب ان تغطى...تذكرت ان الرجل في بلادي حر..وأني أسيرة...تذكرت ان الرجل في بلادي يلبس الأبيض وانا اتشح بالسواد..سألت نفسي لماذا لا يتشح الرجال بالسواد...سألت نفسي لماذا لا يتنقب الرجال...ولم اجد الإجابة..
و تمر الايام ...