-->

الشجرة الملعونة

الشجرة الملعونة

    يتسائل الجميع ...كيف يتحمل الشعب اليمني هذا الوضع الصعب؟..إنقطاع الكهرباء شبه الدائم..قلة المياه..إنعدام الغاز و البنزين...لماذا لا يخرج الناس عن بكرة ابيهم للشوارع "سواء كانوا مع او ضد الثورة" و يقولوا لا لهذا الوضع المزري؟..لماذا يتحمل الناس و يسكتوا بإنتظار الفرج من عند الله ؟ لن اقول ان الشعب اليمني صبور وأنه يرضى بالقليل وان هذه من صفات هذا الشعب المتسامح..ولكن سأكون قاسية و اقول...الشعب مخدر..
    نعم مخدر...
    في بلد القات يقضي الشعب نص يومه في البحث عن القات و النصف الآخر في مضغة...ثم تبدأ نشوة القات و ينسى وضعه المزري وينسى الدنيا بما فيها...هذه اللحظات"او الساعات " الجميله بالنسبة لماضغي القات هي السبب في هذا البرود الغريب الذي يعانون منه...طبعا اغلبهم لا يشعر بغرابة هذا الوضع..او ان هذا الصبر زاد عن حده...تقول أم كلثوم "إنما للصبر حدود" ..و لكن يبدوا ان تأثير القات يجعل الصبر لا حدود له !
    غالبا عندما تحدث اي يمني- من محبين القات -عن المآسي التي يتسبب بها القات...ينظر لك شزراً و فمه ممتلئ بالورق الأخضر المقزز الذي يتطاير من فمه وهو يتحدث...جهه من وجهه منتفخه بالقات و الجهه الأخرى محفورة من كثرة النفخ! و ترى جسمه الهزيل من قلة التغذيه...فغالبا ما يكون تربى من غير ان تهتم امه بتغذيته لإنشغالها بجلسات القات...و عدم إهتمام الأب بجلب فواكه و خضار لتفضيله شراء القات على شراء هذا الترف.. و يتربى هذا الشخص و في دمه هذا الإدمان...و تستمر المأساة...
    عندما كنت في إحدى الجامعات في اليمن فكرت في ان أنشر مقاله كتبها الداعية "عمرو خالد" عن القات و أضراره و المياه الكثيرة التي يحتاجها القات و تذهب هباء لسقايته في بلد يعاني من الجفاف...و تفضيل زراعة القات على زراعة البن في اليمن...بن اليمن الذي ينافس بن البرازيل... و الذي كان من الممكن ان يحسن حال اليمن لو زرعناه...و تأثير زراعة القات على زراعة العنب ايضا..العنب اليمني الذي لم اذق مثل حلاوته في العالم..و لكن اليمنيين اختاروا القات لما يجلبه من ربح سريع ! قررت ان انشر هذه المقاله بين الطلاب وبدأت في توزيعها على الشباب خاصة... فكان رد الشباب مخيب للآمال..ضحك ...نظرات... و الكل يتهامس و يتطلع للمجنونه التي توزع منشورات ضد القات ! و" كان ناقص يمشوا ورايا و يقولوا المجنونه اهي "..و لم يهتم أي منهم بهذا المنشور مع انهم من محبي عمرو خالد..و في الأخير فقدت الأمل ورميت الورق...و تستمر المأساة
    البارحه مثل اليوم مثل غداً..تمر الايام ببطيء في بلد القات...شعب القات يعيش كل يوم بيومه...ما يهم هو ان يمر الوقت ليأتي وقت وجبة الغداء الثقيله التي تسبق القات ...ليخزن تخزينه طويله الى ان يأتي المساء..و غدا يوما آخر من ايام القات..لا يهم وضع البلد..لا يهم وضعه الشخصي طالما بإستطاعته شراء هذه الشجرة الملعونه...
    في بلد القات..السائق يظل سائقاً طوال حياته..البقال يظل بقالاً طوال حياته...ليس هناك ما يسمى بالطموح أو التخطيط للمستقبل...التخطيط قصير المدى..ما يهم هو العمل الذي سيجلب لي تخزينه محترمه...
    في بلد القات الحرام يصير حلال من أجل القات...الرشوة حلال من أجل غصن"عودي" قات..من الطبيعي عند اي معامله حكوميه ان تسمع جملة "حق القات" ..حلل الشيوخ الصلاة و في فمك قات و عذرهم هو ان تحريمهم قد يجعل اهل القات يتركون صلاة المغرب لكي لا يبصقوا القات من فمهم... او ربما لأن الشيوخ من ماضغين القات فقرروا إصدار هذه الفتوى التي أقل ما يقال عنها انها مشينه...في بلد القات كل شيء يحلل في سبيل سعادة ماضغين القات...و تستمر المأساة...
    تستمر المأساة في بلدي و يستمر الناس في حالة الخدر..و يمر الوقت و يتطور العالم و نحن واقفين في مكاننا...هدفنا الأكبر هو "عودي القات"...
    سامحيني يا بلدي اذا أُهملت ارضك و ضاع مائك من اجل ساعات نشوة زائله ...سامحيني يا بلدي اذا أهملك شعبك لإنشغالهم بالساعات في مضغ ورق الشجرة اللعينه...سامحيني يا بلدي اذا استخف بك العالم لأنك بلد تزرع فيك هذه الشجره مع انك يا بلادي جميله..مع انك يا بلادي مهد الحضارة..
    سامحيني يا بلادي اذا لم نحبك بما فيه الكفايه...
    ونستمر في المضغ...و تستمر المأساة


    Dory Aleryani
    @مرسلة بواسطة
    يمنية من بلد الملكة بلقيس و أروى. اؤمن بالمرأة اليمنية و أتمنى ان أرى اليوم الذي تحكم فيه من جديد. لي ارائي الخاصه التي قد لا يتقبلها المجتمع، شغفي بالسياسة بدأ مع الثورات و تبين لي بأن السياسة تجري في دمي بالوراثه. اؤمن بالإنسانيه ولا يفرق معي دينك أو بلدك و اؤمن بحق كل انسان في الحياة و الكرامة. ..أحب الفكاهه و يقول البعض ان "دمي خفيف"..طبعا لو فتحت المجال لأصف نفسي فلن اتوقف..لذلك اكتفي بهذا القدر :)